+ ما علاقة قصة رفع الحية في البرية بالمسيح؟
- وردت إشارة عن الحيّة التي رفعها موسى النبي في البرية في يوحنا 3:14 و15. "وكما رفع موسى الحية في البرية، هكذا ينبغي أن يُرفع ابن الإنسان، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يوحنا 3:14 و15). وما ورد في إنجيل يوحنا عن الحية التي رفعها موسى هي مجرّد إشارة إلى ما ورد في العهد القديم من الكتاب المقدس في سفر العدد أصحاح 21، الذي نلاحظ عندما نقرأه أنه بعد خروج بني إسرائيل من مصر، وفي طريق ارتحالهم من جبل هور إلى أرض أدوم، تذمّر الشعب على الله وعلى موسى النبي الذي كان يسير الشعب بقيادته. وعندما تذمّروا "أرسل الرب على الشعب الحيّات المحرقة، فلدغت الشعب فمات قوم كثيرون من إسرائيل. فأتى الشعب إلى موسى وقالوا: قد أخطأنا إذ تكلمنا على الرب وعليك، فصلّ إلى الرب ليرفع عنا الحيات. فصلى موسى لأجل الشعب، فقال الرب لموسى: اصنع لك حية محرقة وضعها على راية، فكل من لُدع ونظر إليها يحيا. فصنع موسى حية من نحاس ووضعها على الراية، فكان متى لدغت حية إنساناً ونظر إلى حية النحاس يحيا" (عدد 21:6-9).
+ ما علاقة قصة موسى والحية في العهد القديم بعلاقة المسيح بالحية في العهد الجديد؟
ما حدث في العهد القديم كان مجرّد رمز للعهد الجديد. وأشار المسيح نفسه إلى هذه الحادثة ورأى فيها نبوَّة لصلبه. فعندما كان يتكلم مع نيقوديموس، المعلم اليهودي، الذي جاء إليه ليلاً وسأله عن الولادة الجديدة، أشار يسوع إلى هذه الحادثة بقوله: "وكما رفع موسى الحية في البرية، هكذا ينبغي أن يُرفع ابن الإنسان، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية"(يوحنا 3:14 و15). والتشبيه هو أنه كما رفع موسى الحية النحاسية في برية سيناء، كذلك رفع الله أيضاً المسيح على الصليب في بريّة العالم، فكل من ينظر إلى المسيح المصلوب بإيمان، يُشفى من لدغ الحية التي هي إبليس، أي يشفى من الخطية والموت وينال الحياة الأبدية. لأن المسيح سحق رأس الحية، أي الشيطان. وهذا ما تعنيه الآية المشار إليها أعلاه. وإن مجرد ما ذكر في العهد القديم هو إشارة أو تشبيه لعمل المسيح في العهد الجديد.
+ مَن هو نيقوديموس الذي ورد ذكره في يوحنا 3؟ وماذا قصد المسيح بقوله له: "الحق الحق أقول لك، إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله" (يوحنا 3:3).
يدور هذا السؤال حول موضوع الولادة الجديدة، أو الولادة من فوق كما يسميها الكتاب المقدس. ولهذه الولادة علاقة مباشرة بالإيمان المسيحي وحياة المؤمن. ولكن أعتقد أنه من المناسب ذكر الحادثة قبل الدخول في تفاصيلها ليستنير القارئ بما نحن بصدده.
يذكر الكتاب المقدس عن هذه الحادثة ما يلي: "كان إنسان من الفريسيين اسمه نيقوديموس رئيس اليهود، هذا جاء إلى يسوع ليلاً وقال له: "يا معلم، نعلم أنك قد أتيت من الله معلماً، لأن ليس أحد يقدر أن يعمل هذه الآيات التي أنت تعمل إن لم يكن الله معه. أجاب يسوع وقال له: الحق الحق أقول لك، إن كان أحد لا يولد من فوق، لا يقدر أن يرى ملكوت الله. قال له نيقوديموس: كيف يُمكن للإنسان أن يولد وهو شيخ، ألعلّه يقدر أن يدخل بطن أمه ثانية ويولد؟ أجاب يسوع: الحق الحق أقول لك: إن كان أحد لا يولد من الماء والروح، لا يقدر أن يدخل ملكوت الله" (يوحنا 3:1-5).
بعد أن قرأنا مقابلة السيد المسيح مع نيقوديموس، يمكننا أن نبدأ الإجابة بأن نيقوديموس حسب ما ورد في الإنجيل المقدس، كان رئيساً لليهود وكان ينتمي إلى جماعة الفريسيين المتعصبة. وبالرجوع إلى قاموس الكتاب المقدس وكتاب تفسير إنجيل يوحنا نلاحظ أن كلمة نيقوديموس اليونانية، تعني المنتصر على الشعب. كان نيقوديموس رئيساً لليهود، أي من القادة العلمانيين غير الإكليريكيين، وكان عضواً في مجلس اليهود والمعروف بمجلس السنهدريم (يوحنا 7:5). ويُعتقد أنه أصبح فيما بعد أحد المؤمنين بالمسيح.
+ هل يمكن معرفة السبب الذي دعا نيقوديموس للذهاب إلى المسيح ليلاً ليتحدث معه؟
كان نيقوديموس رئيساً لليهود، ينتمي إلى جماعة الفريسيين التي كانت تقاوم المسيح وتعاليمه بكل قواها. والمعروف عن هذه الطائفة اليهودية التعصّب الديني الأعمى، والتقيّد بتعاليم وتقاليد العهد القديم، وتمسكهم بقشور الدين دون الجوهر. ويُعتقد أن كون نيقوديموس فريسياً، وأحد أعضاء مجلس السنهدريم، فلابد أن يكون أحد الذين اشتركوا في مقاومة السيد المسيح وتعاليمه، ولكنه بعد أن تأمل تعاليم يسوع التي تحضّ على المحبة والإخاء، والمسامحة والغفران وعدم الاهتمام بالأرضيات، ثم قيامه بعمل المعجزات مثل شفاء المرضى، وإقامة الموتى وفتح عيون العمي، وإقامة المقعدين، تعجب كغيره من اليهود، واندهش بتعاليمه الإلهية وأعماله، فأراد أن يتقابل معه. ولكن يظهر أنه خشي أن يراه أحد. فذهب إلى المسيح ليلاً وقدم له اعترافه بأنه جاء من الله، وأن ما يعمله لا يستطيع أي شخص أن يعمله إن لم يكن الله معه. وهنا نلاحظ أن المسيح لم يجامل نيقوديموس، بل دخل معه في حوار مباشر وقال له: "الحق الحق أقول لك، إن كان أحد لا يولد من فوق، لا يقدر أن يرى ملكوت الله" (يوحنا 3:3). ولكن عندما سمع نيقوديموس هذه الكلمات، أساء فهمها، فوجّه للمسيح السؤال التالي: "كيف يمكن للإنسان أن يولد وهو شيخ؟ ألعله يقدر أن يدخل بطن أمه ثانية ويولد؟" (يوحنا 3:4)؟
+ ماذا قصد المسيح بقوله: "إن كان أحد لا يولد من فوق، لا يقدر أن يرى ملكوت الله؟
عندما تكلم المسيح عن "الولادة من فوق" أو "الولادة الثانية" لم يقصد مطلقاً الولادة الجسدية، كأن يدخل الإنسان بطن أمه ثانية ويولد. فعبارة "الولادة" هنا لها معنى مجازي أو تصويري، وترمز إلى أمر روحي بعيد كل البعد عن الولادة الجسدية.
+ إلى ماذا يشير هذا المعنى المجازي أو التصويري للولادة الجديدة؟
معنى الولادة من فوق، هو أن يولد الإنسان من الله بقلب جديد وفكر جديد وأهداف جديدة في الحياة، فيصبح وكأنه خُلق من جديد. وهذا يتناسب مع قول داود النبي: "قلباً نقياً اخلُق فيَّ يا الله، وروحاً مستقيماً جدِّد في داخلي" (مزمور 51:10). وبحسب المفهوم المسيحي، فإنه عندما يُخلق في الإنسان قلب نقيّ، وفكر نقيّ، بحسب إرادة الله التي في المسيح يسوع، يصبح الإنسان وكأنه وُلد من جديد.